في كل مرة كانت والدة اللاعب السوري سنحاريب ملكي تطلب منه التوقف عن لعب كرة القدم، كان يَعدها أنه سيصبح لاعباً بارزاً يحمل اسم عائلته عالياً.
حلم الطفل الذي لم يكمل السنوات السبع تكوّن في خطواته الأولى عام 1991. حينما رصدته عيون كشّافة على عشب حديقة بلجيكية مداعباً الكرة بنقلات أنيقة، لم يدرك ابن مدينة القامشلي أهميتها إلى أن قادته إلى عشب آخر مستطيل، جعله الرقم واحد في قلوب مواطنيه وهم يعتزون برؤيته هدافاً ناجعاً في بلاد يوهان كرويف وماركو فان باستن ورود غوليت.
البدايةهاجر ملكي (27 عاماً) طفلاً مع أهله إلى بلجيكا، هناك تعرف عليه أحد كشافي المواهب بالصدفة. وبعد أن تدرج في فئات نادي المنطقة التي يعيش فيها، انتقل إلى أول ناد محترف هو "ريال يونيون " فلعب له ثلاثة مواسم من (2002-2005)، فسجل 45 هدفاً في 100 مباراة، ثم انتقل لنادي رويسليار ولعب له موسم (2006 -2007).
وصيف هدافي الدوريما تقدّم ليس إلّا تمهيداً لسطوع نجمه في الموسم التالي أي 2008. حينها كانت الانطلاقة الحقيقة لسنحاريب في نادي جيرمينال بيرسشوت في دوري الدرجة الأولى في بلجيكا محرزاً 16 هدفاً في أول موسم له، وضعته في وصافة هدافي الدوري، فيما بلغ مجموع ما سجله حتى الـ2009 (تاريخ مغادرته النادي) 23 هدفاً في 69 مباراة.
جَذَبت موهبة سنحاريب الجهاز الفني لنادي لو كيرين البلجيكي، فوقّع معه عقداً لعامين لم يعرف فيهما للنجاح طريقاً. فقد استهل أولهما بإصابة أجلسته قسراً على المدرجات، ولم يحالفه الحظ بعد الشفاء إذ اكتفى بثلاثة أهداف في موسمه الأوّل ووفاض خالٍ في الثاني. ولم يكن في إعارته لفريق بانثراكيكوس اليوناني الفائدة المرجوّة، إذ عرف الشباك مرة واحدة في 13 مباراة خاضها. وكانت تلك أصعب تجربة لسفير الكرة السورية في أوروبا.
الولادة الثانيةبدأ اسم سنحاريب يغيب عن ذاكرة البعض، لكن صيف العام 2011 كان مسؤولو نادي "رودا كيركراده " عازمون على بناء فريق قوي، إن لم يكن للمنافسة، فعلى الأقل لتحاشي دوامة الهبوط إلى الدرجة الثانية التي أحرجتهم أمام جماهيرهم في عام 2010. فتمت صفقة شراء سنحاريب بطلب من مدرب رودا، البلجيكي هارم فان فيلد هويفين الذي سَبَقَ أن درّب اللاعب السوري عام 2007 وخبر إمكانياته عندما كان مديراً فنياً لنادي جيرمينال بيرسشوت.
لكن رغم ذلك، فإن اسم سنحاريب بقي مجهول القيمة لجمهور الفريق الهولندي الذي لم يعرف الكثير عن فتى بلاد الشام لأنه لازم مقاعد الاحتياط في أسابيعه الأولى، ثم ما لبث أن أثبت نفسه كواحد من أفضل المهاجمين في الدوري الهولندي "الصعب"، بإقرار من ملكي نفسه الذي قال لموقع "الجزيرة الرياضية" خلال مقابلة معه: "الدوري في هولندا أقوى بسبب زيادة أعداد المشجعين وأسلوب الكرة الهجومية".
أرقام لافتةلم تحُلْ صعوبة الدوري الهولندي من تمكن سنحاريب إثبات جودة معدنه الكروي، فسجل تسعة أهداف في 15 مباراة خاضها، ما ساعد فريقه على احتلال المركز التاسع على لائحة ترتيب الموسم الحالي، وجعلته في مقدمة اللاعبين إحصائياً وعملياً (نسبة للدقائق التي لعبها والتي بلغت 868)، كما قادته للحصول على جائزة لاعب الأسبوع أكثر من مرة وفقاً لتصويت الجماهير التي تذكر دوماً هدفيه الرائعين في مرمى فريقي ايندهوفن وغريغورين.
وتعليقاً على نتائج فريقه وأدائه يؤكد "الدبابة الدمشقية" كما يلقبه جمهور رودا أن فريقه يعيش أياماً ممتازة: "لدينا كثير من المرح في غرف الملابس، وكذلك مستوً عالٍ من الاحترافية على أرض الملعب". لكنه يعقّب موضحاً: "لدينا بعض المشاكل في الدفاع، لكننا نسير في حلها".
ولاة دولية من الخاصرةبدأ سنحاريب ملكي صباح (اسمه الكامل) مشواره الدولي مرتدياً قميص الأولمبي البلجيكي إلى جانب مروان فيلايني لاعب إيفرتون الإنكليزي والمنتخب البلجيكي الأول ويقول عن تلك التجربة "لعبنا مباراة ودية ضد منتخب مالطا وفزنا بها وسجلت هدفاً في المباراة وانطباع الكادر التدريبي كان جيداً جداً عني، وكانت رغبتهم بضمي إلى قائمة الفريق المشارك في أولمبياد بكين 2008".
عقب ذلك سارع مسؤولو الكرة السورية للاتصال بسنحاريب للالتحاق بالمنتخب السوري قبيل تصفيات كأس العالم 2010، قبل أن يخطفه المنتخب البلجيكي الأوّل، فلبّى ابن القامشلي نداء الوطن والجماهير السورية التي احتشدت في مطار دمشق الدولي لاستقباله، حيث حضر حينها مرتدياً قميص منتخب بلاده التي وبصورة مستغربة لم يرتدها كثيراً في التصفيات العالمية المذكورة، إذ لازم البدلاء معظم الأحيان واكتفى بهدف وحيد في مشاركاته النادرة في التصفيات التي خرجت منها سوريا رغم فوزها على الإمارات 3-1.
في ظل الأجواء الحزينة التي سادت في التصفيات العالمية، خَرج المهاجم السريع بيأس فردي وجماعي، لدرجة أن البعض شكك بإمكانية عودة الثلاثي الأوروبي السوري لؤي شنكو (لاعب هاماربي السويدي) والياس مرقص (لاعب اسيريسكا السويدي آنذاك) وسنحاريب ملكي.
ورغم عدم نجاح منتخب سوريا في تحقيق نتائج بارزة، إلا أن سنحاريب يؤكد أنه ليس نادماً أبداً على تفضيل وطنه الأم على بلجيكا "عندما رأيت عشق الشعب السوري لكرة القدم علمت كم تمثل هذه اللعبة لهم. أنا فخور لأني مثلت بلدي وأحلم بقيادة المنتخب إلى الوصول إلى كأس العالم واللعب أمام فرق كبيرة".
وانطلاقاً من عشقه ووفائه لبلده ومواطنيه، كان سنحاريب كعادته جاهزاً لنداء الأرض دون تردد حين استدعي للمشاركة في كأس آسيا التي جرت مطلع العام الحالي في الدوحة، خصوصاً مع تجدد الآمال برؤية منتخب سوري منافس يشارك في البطولة بعد غياب 15عاماً.
لعب مهاجم رودا دوراً كبيراً في مباراة سوريا الأولى أمام السعودية، وكانت له يد في الفوز الوحيد لسوريا في هذه البطولة (2-1). وبخلاف البداية لم تكن له مسؤولية في الهزيمة التي لقيتها بلاده في المباراة التالية أمام اليابان (1-2)، حين كان احتياطياً كما لم ينجح في قيادة بلاده للفوز في اللقاء الثالث أمام الأردن حين لعب منذ الصافرة الأولى، وساهم بتسجيل هدف سوري وحيد، لم يكن كافياً أمام هدفين أردنيين ليخرج "نسور قاسيون" من الدور الأوّل الذي لم يتخطوه في تاريخ مشاركاتهم في البطولة الآسيوية.
يعلّق سنحاريب على هذه المشاركة بالقول: "كانت تجربة جيدة جداً بالنسبة لي وقد بدأنا بشكل جيد، لكن في مباراة الأردن كنا بحاجة للفوز حتى نتأهل إلى الدوري الثاني وكان ذلك ممكناً لكننا خسرنا وخرجنا بصعوبة".
يدرك الهداف السوري أنه لم يصل بعد لنصف أحلامه في المنتخب الوطني ومع خسارة منتخب سوريا لفرصته في متابعة التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2014 (استبعد المنتخب بقرار من الفيفا) تبدو فرصة سنحاريب، ابن 27 عاماً، صعبة لقيادة سوريا إلى كأس العالم 2018.
ولدى سؤالنا الأخير لنجم رودا عما يمكن أن يفعله حين يتوقف عن كرة القدم أجاب: "لا أستطيع الابتعاد عن كرة القدم، لأنني أتنفسها يومياً".